في ظل جبال السروات المهيبة، وبين سهول الطائف التي تنبض بالحياة والجمال، بزغت فكرة عظيمة حملت عبق الماضي وعظمة التراث، وهي إنشاء أول مصنع للورد الطائفي. لقد كان هذا المصنع شاهدًا على إبداع الإنسان في تطويع الطبيعة لتكون نبعًا من الجمال والرفاهية.
في حقبة من الزمان، حيث كانت الأرض هي الملاذ الأول للعيش والعمل، بزغت فكرة تقطير الورد الطائفي لتحويله إلى ماء وعطر خالدين. قيل إن المصنع الأول أُقيم على يد رجال يحملون الحكمة والشغف، يجمعون الزهور بعناية لا نظير لها، في وقت كانت السماء تُضيء بمصابيح النجوم، فيما الهواء يعجّ بنسيم يحمل عبق الورود النضرة.
كانت البداية متواضعة، في أروقة بسيطة تحفها أفران تقليدية مصنوعة من النحاس والفخار، تُغذى بالنار الهادئة المستمدة من الحطب، وتُدار بخبرة يُصقلها الزمن. كان العمال يتناوبون على العناية بالورد، في جو مفعم برائحة الورود التي تختلط بعرق الجبين ورضا القلوب.
يُقال إن تلك المصانع الأولى لم تكن مجرد مكان للعمل، بل كانت ملتقى للأحاديث العتيقة والحكايات، حيث كانت الورود تنقل عبقها إلى الأرواح قبل أن تتحول إلى ماء الورد وعطره. ومع كل قطرة تُقطر، كان المصنع يُعزز ارتباطه بأرض الطائف، تلك الأرض التي وهبت العالم هذا الإكسير الفريد.
كان ماء الورد الطائفي الناتج عن هذا المصنع يحمل في طياته جودة لا تضاهى، فاستُخدم في مواسم الحج لتطييب الحرم الشريف، وفي قصور الملوك والأمراء كرمز للفخامة. كما كانت زجاجات ماء الورد الطائفي تُحمل كهدايا ثمينة، تُنقل من الطائف إلى بقاع العالم، لتحمل اسم المدينة وعبيرها إلى كل مكان.
لقد كان هذا المصنع الأول بمثابة نافذة للعالم على جمال الطائف، وتراثها الغني. ومع مرور الزمن، ظل المصنع رمزًا للعراقة والابتكار، وأساسًا لنهضة صناعة الورد الطائفي التي لا تزال تزدهر حتى يومنا هذا.
أول مصنع للورد الطائفي ليس مجرد مكان؛ إنه شاهد على تاريخ حب الإنسان للطبيعة، وابتكاره لوسيلة تُخلد جمالها في زجاجة عطرية تحمل عبق الخلود.